خان باب الواد، ملك عائلة قطينة الذي تحول إلى متحف إسرائيلي

سارة دجاني

حين تزور مدينة القدس اليوم، قادماً من طريق اللطرون، سيقابلك في طريق باب الواد مبنى على الجهة اليمنى، ستظنّه للوهلة الأولى بيتاً مهجوراً بدون أصحابه، ولو خففت سرعتك ودققت قليلاً ستلاحظ شعاراً لسلطة الحدائق والطبيعة الإسرائيلية بقربه. إنه خان باب الواد الشهير الذي صار اليوم متحفاً وموقعاً “تاريخياً إسرائيلياً” يسرد قصة معارك النكبة واحتلال القدس. 

باب الواد بعد تحويله إلى متحف، صورة حديثة

ارتبط هذا المبنى بشارع باب الواد التاريخي والذي تم شقه في عهد السلطان عبد العزيز  الأول الذي حكم الدولة العثمانية منذ عام 1861م. وبإيعاز من السلطان، شقّت الطريق لتوصل بين يافا والقدس، وتم افتتاحه رسمياً عام 1867. فيما تم الاحتفال رسمياً بشقه في 10 كانون الأول من عام 1869 بحضور  قيصر النمسا وهنغاريا آنذاك فرانز جوزيف الأول، حين زار البلاد بعد افتتاحه قناة السويس. 

 تقلصت مدة السفر بين يافا والقدس بعد افتتاح الطريق بين المدينتين من 3 أيام إلى يومين فقط. وصار المسافرون يتوقفون في باب الواد للاستراحة قبل الوصول. وهنا كانت الحاجة  لوجود محطة ينزلون عندها، ينفث المسافرون فيها تعب الطريق عن أكتافهم ويستعيدون طاقتهم لإكمال ما تبقى من مسافة، ويطعمون دوابهم ويوفرون لها قسطاً من الراحة. 

ولهذه الغاية، بني الخان، وبدأ استعماله كمحطة للراحة والنوم للمسافرين والدواب. وسمي بخان باب الواد نسبة لموقعه في طريق باب الواد. 

استأجرت الخان آنذاك عائلة حاخام يهودي تدعى “سلنت” وبدأت بإدارته منذ عام 1869، وكانت تدفع الضريبة الملزمة بها لحاكم أبو غوش وبلدية القدس. وكان النوم في الخان مجاناً، ولكن بشرط أن تشتريَ القهوة بثمن باهظ يعادل أجرة النوم أو أقل قليلاً.

وفي عام 1873  تولت إدارة الخان وقامت باستئجاره عائلة يهودية أخرى وهي عائلة يتسحاك روكح، وقد تم ترميم الخان وتطويره في هذا العام، ليصير خاناً بمساحة واسعة يستقبل المسافرين في كل الأوقات. وفيه طابقان يوفران معظم احتياجات النزلاء.

الطابق الأول من الخان ضم مخبزاً ومطعماً ومقهى، ومكاناً للراحة يستطيع المسافر فيه شرب الماء والقهوة، وتناول الطعام، وفي ذات الطابق مساحة خاصة للدواب والأحصنة، فيها يطعمونها ويسقونها. أما الطابق الثاني، فكان مخصصاً لمبيت النزلاء واستراحتهم. 

تولى ادارة الخان بعد ذلك عائلة شلومو وملكا روزنتال بعدما قامت باستئجاره، من عام 1878 حتى عام 1893، وكان هذا العام فارقاً، فقد كانت سكة القطار قد مدّت بين القدس ويافا، ولم تعد طريق باب الواد  هي الطريق الوحيدة، ولم تعد هناك حاجة لخان باب الواد كما كانت قبل مد سكة القطار. وهكذا ومع الأيام هجر الخان وأهمل المكان، ولم يعد مستخدماً وعامراً بالمسافرين كما في السابق، وظل منذ هذه الفترة وحتى عام 1910 يدار من قبل عائلة “كارافانسيراي”.

باب الواد، بين السنوات 190-1920، أرشيف مكتبة الكونغرس

عام 1917 استأجر الخان “تودروس فرشبسكي”، وانتقل للعيش فيه مع عائلته وبدأ من جديد بالعمل وتقديم الخدمات فيه كالطعام وخدمة العناية بالحيوانات، وبقي الحال هكذا حتى اندلاع ثورة عام 1921 حيث أقام الجيش البريطاني نقطة له هناك، ومن حينها لم يعد الخان يستقبل النزلاء.

في 26 تشرين الثاني من عام 1930، وبحسب ما تظهره الوثائق اشترت  عائلة قطينة الفلسطينية الخان وتم تسجيله رسمياً باسم عبد الحميد أسعد قطينة،  مشترياً إياه من المالك السابق رئيس بلدية القدس راغب بيك النشاشيبي.

وجاء في وصف الخان عبر شهادة التسجيل “دار مؤلفة من طابقين، الطابق السفلي يحتوي على أخور ومخزنين وبئر، والطابق العلوي يحتوي على ثلاث غرف وصالون ومخزن واحد ومنافع”. وفي حدود الخان المقام على أراضي قرية دير أيوب. يظهر من جديد اسم عائلة قطينة وورثة أسعد قطينة كمالكة للأراضي التي تحد الخان جنوباً وغرباً مع حرش يخص حكومة فلسطين حسب ما كتب في الوثيقة، بينما تحدّ الطريق الرئيسة بين يافا والقدس الخانَ شمالاً وشرقاً. 

وفي وثيقة أخرى، تجد كمبيالة صادرة عام 1936 باسم حنا فاشة، حصل فيها على مبلغ مالي لقاء أعمال خشبية قام بها في الخان في ذلك العام. 

وفي ذات العام، نجد وصلاً آخر باسم سامي قطينة بعد دفعه الضريبة المفروضة عليه من حكومة فلسطين الانتدابية عام 1936 عن الخان، والتي كانت حينها بقيمة جنيه فلسطيني ومئة وعشرين فلساً كما يظهر في القسيمة. 

لم يدم الحال طويلاً مع عائلة قطينة التي امتلكت المبنى وإدارته لسنوات، ففي معارك النكبة عام 1947 شهد باب الواد قتالاً وحصاراً ودفاعاً مستميتاً من جيش الجهاد المقدس ضد عصابات البلماح والهاغاناة. ولم يكن هذا غريباً فمن يمتلك هذه الطريق يمتلك ورقة الدخول إلى القدس، والسيطرة عليها يعني السيطرة على القدس وما حولها. 

ومنذ عام 1948 سيطر الجيش الأردني على منطقة الخان وما حولها، وأغلق  الطريق الواصلة بين القدس ويافا ولم تعد مستخدمة حتى عام 1967 حين سقطت كل البلاد تحت الاحتلال وسيطرت إسرائيل على الطريق وأعادت فتحها من جديد. 

حين تمر اليوم على خان باب الواد ستجده قد صار متحفاً إسرائيلياً يستقطب السياح والإسرائيليين، ومعرضاً تفاعلياً يسرد بطولات أفراد العصابات الصهيونية التي ساهمت في فتح الطريق لاحتلال القدس ويمجد ذكراهم، وتجد في المكان بعض المباني التي تم إضافتها وبناؤها على ذات الطراز العثماني التي بني عليه الخان، أو حاولوا ذلك. والخان اليوم صار مكاناً لا تدفع فيه ثمن فنجان قهوة لتدخله بل تدفع ثمن تذكرة لتتجول في المكان. 

هذه قصة خان باب الواد، الذي مر عليه المسافرون بين القدس ويافا لسنين وأعوام طويلة، وهو ملك عائلة قطينة الضائع، الذي لم يحفظ حقها فيها حتى اليوم سوى بضعة شهادات تسجيل ووثائق بقيت حتى اليوم لتقول قصة عن خانٍ لم يكن يوماً خاناً عادياً. 

كتب هذا المقال ضمن مشروع “أرشيفات من القدس” والممول من مؤسسة التعاون -جائزة التعاون للقدس 2021- جائزة المرحوم راغب الكالوتي للتنمية المجتمعية في القدس “للقدس نعمل”.

فكرة واحدة على ”خان باب الواد، ملك عائلة قطينة الذي تحول إلى متحف إسرائيلي

أضف تعليق